إفتتحت رسمياً قناة السويس في 17 من نوفمبر تشرين الثاني سنة 1869، والتي تصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، في احتفال رسمي في ميناء بورسعيد المصري.
ولقد استغرق العمل على تخطيط وبناء القناة أكثر من 15 سنة، وتوقف بناؤها عدة مرات بسبب النزاعات السياسية، ونقص اليد العاملة، وبسبب انتشار مرض الكوليرا، لكن في نهاية المطاف، قامت هذه القناة المائية التي يبلغ طولها 101 ميل بتغيير طرق التجارة والشحن العالمية، من خلال السماح للسفن باختصار الطريق القديم حيث كانت تضطر لالتفاف حول القارة الإفريقية.
إليكم بعض الحقائق المُدهشة التي قد لا تعرفها عن القناة الأشهر في التاريخ:
الفراعنة هم أول من شقّ القناة المائية
تُعتبر قناة السويس الحالية ليست إلا الأحدث من بين عدة ممرات مائية شُقّت في مصر خلال التاريخ. فبحسب المؤرخين قام الفرعون المصري «سنوسرت الثالث» ببناء قناة مائية تصل البحر الأحمر بنهر النيل سنة 1850 قبل الميلاد، وإن كلاً من الفرعون «نخو الثاني» و«داريوس الفارسي» بدءا بمشروع لبناء قناة مشابهة لكنهما إضطرا لترك هذا المشروع فيما بعد.
ويُعتقد أيضًا أن العمل في القناة انتهى خلال القرن الثالث قبل الميلاد في عهد البطالمة، وأن العديد من الشخصيات التاريخية ومنها «كليوباترا» استخدمتها خلال أسفارها. ولقد إختلفت الطريق التي مرت بها قناة الفراعنة القديمة عن طريق قناة السويس الحالية المباشرة، فقد مرت بالصحراء إلى نهر النيل ومن ثم إلى البحر المتوسط.
نابليون بونابرت أول من فكر ببنائها
بعد إحتلاله لمصر سنة 1798، أرسل نابليون فريق مسح للتحقق من قابلية شق قناة السويس من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وبعد أربعة رحلات إستطلاع ومسح للمنطقة، توصل الفريق لإستنتاج خاطئ بأن أي محاولة لحفر القناة ستؤدي لفيضان كارثي في دلتا النيل، وذلك لأن مستوى سطح البحر الحمر أعلى بـ 30 قدماً من سطح البحر الأبيض المتوسط.
ونتيجة للحسابات الخاطئة صرف نابليون نظره عن المشروع، وتوقفت الخطط لتشييد القناة حتى عام 1847 عندما أعلن فريق من الباحثين أنه لا يوجد اختلاف كبير في الارتفاع بين البحرين.
كانت بريطانيا من أشد المعارضين لبنائها
بدأ التخطيط رسمياً لبناء قناة السويس في سنة 1854، عندما توصل سياسي فرنسي سابق يدعى «فرديناند ديليسبس» لاتفاق مع نائب الملك المصري على إنشاء شركة قناة السويس.
وبما أن عرض «ديليسبس» كان مدعوماً من الإمبراطور الفرنسي «نابليون الثالث»، فقد اعتبر الكثير من رجال الدولة البريطانيين بناء القناة مخططاً سياسياً فرنسياً لتقويض سيطرة بريطانيا على الملاحة البحرية. وقد قال السفير البريطاني في فرنسا أن دعم بناء القناة سيُعد عملاً انتحارياً، وعندما حاول «ديليسبس» بيع أسهم في شركة القناة، قالت الصحف البريطانية أن المشروع هو سرقة صارخة لأموال الناس البسطاء.
واستمرت الحكومة البريطانية بإنتقاداتها أثناء فترة بنائها، لكنها ابتاعت فيما بعد 44 بالمئة منها عندما اضطرت الحكومة المصرية المحاصرة مالياً لعرض أسهمها في مزاد علني سنة 1875.
بنيت بإستخدام مزيج من العمل القسري وأحدث الآلات في ذلك العصر
لقد تطلب بناء القناة قوة بشرية ضخمة، فقامت الحكومة المصرية في البداية بتوفير العمال قسراً من خلال إجبار الفقراء على العمل بأجور متدنية وتحت التهديد بإستخدام القوة. وفي سنة 1861 إستخدم عشرات الآلاف من الفلاحين والقرويين المعاول والمجاريف لحفر الأجزاء الأولية من القناة يدوياً !
كان تقدم العمل بطيئاً جداً، وواجه المشروع عقبة تمثلت بقرار حاكم مصر إسماعيل باشا المفاجئ بحظر العمل القسري سنة 1863. ثم واجه المشروع بعد ذلك نقصاً كبيراً في العمال مما أجبر «ديليسبس» وشركة قناة السويس على تغيير إستراتيجية البناء، وبدأوا بإستخدام عدة مئات من آلات الحفر والمجاريف التي تعمل بواسطة الفحم والبخار والتي صنعت خصيصاً من أجل هذه المهمة.
وقد أدى إستخدام التكنولوجيا لتقدم سريع في العمل، ومن الـ75 مليون متر من الرمال التي أزيلت كان نصيب الآلات ثلاثة أرباع الكمية.
كان تمثال الحرية معداً لقناة السويس
عندما شارف العمل في القناة على الانتهاء سنة 1869، حاول النحات الفرنسي «فريديريك أوغست بارتولدي» إقناع «ديليسبس» والحكومة المصرية بالسماح له ببناء تمثال يسمى «مصر تجلب الضوء لآسيا» ثم يُنصَب عند مدخل القناة من جهة البحر الأبيض المتوسط.
وقد تخيل «بارتولدي» التمثال بشكل امرأة بطول 90 قدماً ترتدي ملابس فلاحة مصرية وتحمل مشعلاً كبيراً في يدها يُستخدم كمنارة لتوجيه السفن نحو القناة.
ولكن لم يُقدّر للتمثال أن يصبح حقيقة فتابع «بارتولدي» تصوراته عن التمثال، وكشف عنه في النهاية في ميناء نيويورك وسمي «الحرية تنور العالم» وعرف فيما بعد بتمثال الحرية.
حاول «ديليسبس» فيما بعد بناء قناة بنما وفشل
بعد أن أسكت النقاد بإتمامه لقناة السويس، وجه «ديليسبس» إهتمامه نحو حفر قناة في مضيق بنما في القارة الأمريكية. ثم بدأ العمل سنة 1881 ولكن على الرغم من توقعات «ديليسبس» بسهولة المهمة مقارنة بقناة السويس إلا أن المشروع تحول إلى فوضى عارمة.
وتوفي الآلاف خلال عملية البناء بسبب الحرارة العالية والأمراض، وصرف الفريق حوالي 260 مليون دولار دون إتمام المشروع.
تسببت القناة بحرب أكتوبر من عام 1956
لعبت قناة السويس دوراً محوريًا خلال فترة الحرب الباردة، ففي عام 1956 كانت القناة محل صراع بين مصر من جهة وبين القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية من جهة أخرى.
فبعد قيام جمال عبد الناصر بتأميم القناة في يوليو من عام 1956، شنّت القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية هجوماً على مصر في أكتوبر من نفس العام. وبالرغم من نجاح هذه القوات بالتقدم نحو القناة إلا أنها إضطرت للإنسحاب بإذلال بعد توجيه إنتقادات حادة من الولايات المتحدة الأمريكية وتهديد الإتحاد السوفيتي برد نووي على الهجوم. وقد أدى ذلك لإستقالة رئيس الوزراء البريطاني أنثوني إيدن بعد تلك الفضيحة، وبقية القناة تحت حكم المصريين.
علق أسطول من السفن في القناة لمدة ثماني سنوات
في حزيران يونيو عام 1967 خلال العدوان الإسرائيلي على مصر، أغلقت الحكومة المصرية قناة السويس وسدت مداخلها بواسطة الألغام المائية وهياكل السفن الغارقة. وفي ذلك الوقت كانت 15 سفينة شحن راسية في وسط القناة في البحيرة المرة الكبرى، وبقوا هناك لثمانية سنوات حتى أطلق عليهم لقب «الأسطول الأصفر» لنظراً لتكتّل الرمال الصحراوية على أسطح السفن.
وقد شكّل معظم أفراد الطواقم نوبات لأداء مهمات مختلفة على السفن مدتها ثلاثة أشهر، لكن الباقين قضوا وقتهم بتشكيل مجتمع خاص بهم وإستضافة أحداث رياضية وإجتماعية، ومع مرور السنين طوّر الأسطول طوابعه الخاصة ونظام تجارة داخلي خاص به.
ثم سُمح للأسطول بالمغادرة أخيراً سنة 1975، ولكن بعد مرور السنوات الثمانية لم تكن سوى سفينتان تصلحان للقيام برحلة المغادرة.
إصلاحات شاملة
تواجه قناة السويس تحديات بسبب ضيقها وإنخفاض عمقها مم يحد من قدرة السفن الضخمة على التحرك بالإتجاهين في وقت واحد. لذلك أعلنت السلطات المصرية في عام 2014 عن خطة لزيادة عمق القناة وشق مسار فرعي بطول 22 ميل تبلغ كلفته 8.5 مليار دولار.
وفي مقالة أخرى رصدنا أبرز 10 مغالطات حول مشروع قناة السويس الجديدة.
أرقام وإحصائيات
– تعتبر قناة السويس أطول قناة في العالم إذ يبلغ طولها 193.3 كم، أما عمقها فهو 24 متر.
– تعبر القناة ما يقارب من الـ 50 سفينة يومياً أي ما يعادل 10% من حجم النقل البحري في العالم.
– تستغر السفن ما بين 12 و 16 ساعة لعبور القناة.
– يعبر قناة السويس 4 مليون برميل من النفط يومياً أي ما يعادل 5% من إنتاج النفط العالمي.
– تدر قناة السويس 5 مليار دولار سنويًا على خزائن الدولة المصرية.